كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


هل لله تعالى نعمة على الكافر في الدنيا‏؟‏ اختلف فيه أهل السنة فقيل لا لأن هذه النعمة لما كانت مؤدية للضرر الدائم الأخروي كانت كلا شيء، وقيل نعم، وعليه الباقلاني، قال الإمام الرازي وهو الأصوب، وآية ‏{‏يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم‏}‏ فهذا صريح في أنه أنعم عليهم إذ المخاطب بذلك أهل الكتاب ‏(‏وأحبوني لحب الله‏)‏ أي إنما تحبوني لأنه سبحانه وتعالى أحبني فوضع محبتي فيكم كما يصرح به خبر ‏"‏إذا أحب الله ‏[‏ص 178‏]‏ عبداً نادى جبريل‏"‏ الحديث‏.‏ والمحبة إذا كانت بشرط النعمة كانت معلولة ناقصة وكان مرجعها إلى حظ المحب لا إلى المحبوب والنعم كلها أو أكثرها ملاذ النفوس ومن أحب اللذة تغير عند المكروه بعدمها وفوت حظ النفس منها ألا ترى أن محبة زليخا ليوسف لما كانت لشهوة آثرت ألمه على ألمها عند فوت حظها منه وأما النسوة فغبن عن حظوظ أنفسهن فقطعن أيديهن بلا إحساس ‏(‏وأحبوا أهل بيتي لحبي‏)‏ أي إنما تحبونهم لأني أحببتهم بحب الله تعالى لهم وقد يكون أمراً بحبهم لأن محبتهم لهم تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى‏}‏ وبما تقرر عرف أن محبة العبد لله لا تحتاج إلى تأويل بخلاف عكسه قال الغزالي‏:‏ محبة العبد لله حقيقية لا مجازية إذ المحبة في وضع أهل اللسان ميل النفس إلى ملائم موافق والعشق الميل الغالب المفرط والله سبحانه وتعالى محسن جميل والإحسان والجمال موافق ومحبة الله للعبد مجازية ترجع إلى كشف الحجاب حتى يراه بقلبه، إلى تمكينه إياه من القرب منه وفي شرح المواقف محبتنا لله تعالى كيفية روحانية مترتبة على تصور الكمال المطلق له تعالى على الاستمرار ومقتضية إلى التوجه التام لحضرة قدسه بلا فتور ولا فرار ومحبتنا لغير الله كيفية تترتب على تخيل كمال فيه من لذة وشفقة أو مشاكلة كمحبة العاشق لمعشوقه والوالد لولده ثم هي عندنا الرضا والإرادة مع ترك الاعتراض وقيل الإرادة فقط فيترتب عليه كما في الإرشاد أنه تعالى لا تتعلق به محبة على الحقيقة لأنها إرادة والإرادة لا تتعلق إلا بمحدود وهو سبحانه وتعالى لا حد له لأن المريد إنما يريد ما ليس بكائن أو إعدام ما يجوز عدمه وما ثبت قدمه واستحال عدمه لا تتعلق به إرادة أهـ‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في المناقب ‏(‏ك‏)‏ في فضائل أهل البيت ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وصححاه وأقره الذهبي في التلخيص وقول ابن الجوزي هو غير صحيح وهموه فيه نعم فيه عبد الله بن سليمان النوفلي قال في الميزان فيه جهالة ما ثم أورد له هذا الحديث ولم يرمز المصنف رحمه الله له بشيء‏.‏

225 - ‏(‏أحبوا العرب‏)‏ بالتحريك خلاف العجم ‏(‏لثلاث‏)‏ أي لأجل خصال ثلاث امتازت بها ‏(‏لأني عربي والقرآن عربي‏)‏ قال تعالى ‏{‏لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين‏}‏ وأعظم بهذه من منة إذ لو كان أعجمياً لكان نازلاً على السمع دون القلب لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها وقد يكون الرجل عارفاً بعدة لغات فإذا تكلم بلغته التي لقنها أولاً ونشأ عليها وتطبع بها لم يكن إقباله إلا على معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهراً فيها خبيراً بمعرفتها كان نظره أولاً في ألفاظها ثم في معانيها ذكره في الكشاف في كلام العرب خصوصاً في القرآن الذي هو معجزة لفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض وما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها وما كان أبو حنيفة يحسن الفارسية فلم يكن ذلك منه عن تحقيق وتبصر إلى هنا كلامه ‏(‏وكلام أهل الجنة‏)‏ أي تحاورهم فيما بينهم في الجنة ‏(‏عربي‏)‏ وقد كان سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيها إلا به فلما أهبط إلى الأرض تكلم بغيره وهذه الجمل واردة مورد الحث على حب العرب وهو منزل على قيد الحيثية أي من حيث كونهم عرباً وقد يعرض لهم ما يوجب البغض والازياد منه بحسب ما يعرض لهم من الكفر والنفاق وقد قال سبحانه وتعالى في شأن قوم منهم ‏{‏الأعراب أشد كفراً ونفاقاً‏}‏ فإذا وفق العبد لمحبتهم من حيث كون المصطفى صلى الله عليه وسلم منهم أن القرآن أنزل بلغتهم وأن كلام الرفيق الأعلى بلسانهم لعذوبته وفصاحته واستقامته كان ذلك واسطة في حبه وإذا خذل فأبغضهم من الجهات المذكورة كان لازمه بغضه وهو كفر وإذا أبغضهم من حيث كفرهم أو نفاقهم كان واجباً فاستبان أنه قد يجب الحب وقد يجب البغض ويبقى مطلق الحب من ‏[‏ص 179‏]‏ الحيثية التي سبق الكلام عليها، واعلم أن ستة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من العرب نوح وهود وإسماعيل وصالح وشعيب ومحمد وباقيهم من غيرهم ‏.‏

رأيت بخط مغلطاي ذكر ابن ظفر عن معمر عن الزهري أشخصت إلى هشام بن عبد الملك فلما كنت بالبلقاء رأيت حجراً مكتوباً عليه بالعبرانية فأرشدت إلى شيخ يقرؤه فلما قرأه ضحك وقال أمر عجيب مكتوب عليه باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا إله إلا الله محمد رسول الله وكتبه موسى بن عمران بخطه انتهى‏.‏

- ‏(‏عق‏)‏ عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمرو الحنفي عن يحيى بن بريدة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ثم قال الهيتمي بعد ما عزاه له فيه العلاء بن عمرو الحنفي وهو مجمع على ضعفه ‏(‏ك‏)‏ في المناقب ‏(‏هب عن ابن عباس‏)‏ قال صحيح ورده الذهبي في التلخيص بأن فيه يحيى بن بريدة الأشعري ضعفه أحمد وغيره والعلاء بن عمرو والحنفي وليس بعمدة ومحمد بن الفضل متهم قال وأظن الحديث موضوعاً انتهى وفي الميزان ترجمة العلاء عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به بحال ثم ساق له هذا الخبر وقال أبو حاتم هذا موضوع وقال هذا كذاب انتهى وذكر مثله في اللسان ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المصنف بما حاصله أن له شاهداً ومتابعاً‏.‏ وقال السخاوي‏:‏ ابن بريدة والراوي عنه ضعيفان وقد تفردا به كما قال البيهقي ومتابعه ابن الفضل لا يتعد به لاتهامه بالكذب انتهى‏.‏ وأما قول السلفي هذا حديث حسن فمراده به كما قال ابن تيمية حسن منته على الاصطلاح العام لاحسن إسناده على طريقة المحدثين‏.‏

226 - ‏(‏أحبوا قريشاً‏)‏ في الأم تصغير قريش دابة بالبحر سميت به القبيلة المعروفة لشدتهم على غيرهم أو تفرقهم بعد اجتماعهم أو غير ذلك وهم ولد النضر بن كنانة وقيل فهر بن مالك بن النضر والمراد المسلمون منهم ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏من أحبهم‏)‏ من حيث كونهم قريشاً المؤمنين ‏(‏أحبه الله‏)‏ تعالى قالوا فإذا كان هذا في مطلق قريش فما ظنك بأهل البيت‏؟‏ وسبق أن محبة الله تعالى لعبده إرادته به الخير وهدايته وتوفيقه له وكلما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأعم ثبت للأخص ولا عكس ‏(‏تتمة‏)‏ قالوا حقيقة المحبة أن لا يزيدها البر ولا ينقصا الجفاء‏.‏

- ‏(‏طب عن سهل بن سعد‏)‏ قال الهيتمي فيه عبد المهيمن بن عياش بن سهل وهو ضعيف انتهى‏.‏ ورواه البيهقي في الشعب باللفظ المذكور عن سهل المزبور وفيه عبد المهيمن المذكور‏.‏

227 - ‏(‏أحبوا الفقراء‏)‏ أي ذوي المسكنة والحاجة من المسلمين ‏(‏وجالسوهم‏)‏ فإن مجالستهم رحمة ورفعة في الدارين ولما خاطب الحاضرين بما ذكر خص بعضهم لما علمه من حاله من البغض فعلم أن ذلك كله واجب على كل مسلم مكلف حر ‏(‏وأحب العرب‏)‏ حباً صادقاً بأن يكون ‏(‏بقلبك‏)‏ لا بمجرد اللسان ‏(‏وليردك‏)‏ أي ليمنعك ‏(‏عن‏)‏ احتقار ‏(‏الناس‏)‏ وإزدرائهم وتتبع عيوبهم وعوراتهم ‏(‏ما تعلم من نفسك‏)‏ من معايبها ونقائصها فاشتغل بتطهير نفسك عن أقبح أنواع الحماقة ولا عيب أعظم من الحمق ولو أراد الله بك خيراً لبصرك بعيوب نفسك وجهلك‏.‏ ثم إن كنت صادقاً في ظنك فاشكر الله تعالى عليه ولا تفسده بثلب الناس والتمضمض بأعراضهم فإنه من أعظم العيوب ذكره الغزالي وقيل للحسن إن الحجاج ذكرك بسوء فقال علم بما في نفسي فنطق عن ضميري وكل امرئ بما كسب رهين‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الرقائق ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال صحيح وأقره الذهبي وتبعهما المصنف فرمز لصحته‏.‏

‏[‏ص 180‏]‏ 228 - ‏(‏احبسوا‏)‏ بكسر الهمزة والموحدة التحتية‏.‏ قال الراغب‏:‏ الحبس المنع وفي الصحاح ضد التخلية ‏(‏صبيانكم‏)‏ جمع صبي قال في الصحاح وهو الغلام والجارية صبية والجمع صبايا انتهى والمراد هنا الصغير ذكراً كان أو أنثى كما يشير إليه التعليل الآتي أي امنعوهم من الخروج من البيوت وفي رواية اكفتوا صبيانكم أي ضموهم ‏(‏حتى تذهب‏)‏ أي إلى أن تنقضي ‏(‏فوعة‏)‏ بضم الفاء وسكون الواو ‏(‏العشاء‏)‏ أي شدة سوادها وظلمتها وفي رواية بدل فوعة فحمة وهي السواد الشديد والمراد هنا أول ساعة من الليل كما يدل له قوله ‏(‏فإنها ساعة تخترق‏)‏ بمعجمات وراء‏:‏ تنتشر ‏(‏فيها الشياطين‏)‏ أي مردة الجن فإن أول الليل محل تصرفهم وحركتهم في أول انتشارهم أشد اضطراباً‏.‏ وقال ابن الجوزي‏:‏ إنما خيف على الصبيان منهم تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة فيهم غالباً والذكر الذي يحترس به منهم مفقود من الصبيان غالباً والسواد أجمع للقسوة الشيطانية من غيره والجن تكره النور وتتشاءم به وإن كانت خلقت من نار وهي ضياء لكن الله تعالى أظلم قلوبها وخلق الآدمي من طين ونور قلبه فهو محب للنور بالطبع وكل جنس يميل إلى ما يروحه من جنسه فيضيع فإن قلت فإذا كان الاختراق بمعنى الانتشار فلم عبر به دونه قلت إشارة إلى أنه انتشار لابتغاء الفساد فإن الخرق في الأصل كما قال الراغب قطع الشيء على سبيل الفساد بغير تفكر وتدبر ثم استعمل في قطع المسافة توصلاً إلى حيلة أو إفساده ومن ثم شبه به الريح في تعسف مرورها فقيل ريح خرقاء وفوعة الشيء بالضم حدته وشدته قال الزمخشري‏:‏ وجدت فوعة الطيب وفوحته وفورته وخمرته وذلك حدة ريحه وشدتها إذا اختمر وأتيته فوعة النهار وفوعة الضحى وهو ارتفاعه وكان ذلك في فوعة الشباب‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الأدب ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد الله وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي‏.‏

229 - ‏(‏احبسوا على المؤمنين ضالتهم‏)‏ أي ضائعتهم يعني امنعوا من ضياع ما تقوم به سياستهم الدنيوية ويوصلهم إلى الفوز بالسعادة الأخروية أي بأن تحفظوا ذلك ولا تهملوه فيضيع قالوا يا رسول الله وما ضالة المؤمنين قال ‏(‏العلم‏)‏ أي الشرعي فإن الناس لا يزالون عند وقوع الحوادث يتطلبون علم حكمها كما يتطلب الرجل ضالته فهو أمر بتعلم العلم الشرعي الذي به قيام الدين وسياسة عامة المسلمين كالقيام بالحجج والبراهين القاطعة على إثبات الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه وإثبات الثواب ودفع الشبه والمشكلات والاشتغال بالفقه وأصوله والتفسير والحديث بحفظه ومعرفة رجاله وجرحهم وتعديلهم واختلاف العلماء واتفاقهم وعلوم العربية والقيام به فرض كفاية فإذا لم ينتصب في كل قطر من تندفع الحاجة بهم أثموا كلهم وعلى الإمام أن يرتب في كل قرية ومحلة عالماً متديناً يعلم الناس دينهم ويجيب في الحوادث ويذب عن الدين ويردع من نبغ من الفرق الضالة‏.‏

- ‏(‏فر وابن النجار‏)‏ أبو عبد الله محمد بن محمود ‏(‏في تاريخه‏)‏ تاريخ بغداد ‏(‏عن أنس‏)‏ رضي الله تعالى عنه وفيه إبراهيم بن هانئ أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول أتى بالبواطيل عن عمرو بن حكام تركه أحمد والنسائي عن بكر بن خنيس قال الدارقطني متروك عن زياد بن أبي حسان تركوه‏.‏

230 - ‏(‏احتجموا‏)‏ إرشاداً لا إلزاماً ‏(‏لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين‏)‏ من الشهر العربي‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ هذا موافق لإجماع الأطباء أن الحجامة في نصف الشهر وما بعده من الربع الثالث من أرباع الشهر أنفع من أوله ومن آخره لغلبة الدم حينئذ الذي جعله علة للأمر بها وخص الأوتار لأنه تعالى وتر يحب الوتر، نعم محل اختيار هذه الأوقات إذا أريدت لحفظ الصحة فإن كانت لمرض فعلت وقت الحاجة كما يفيده ما يجيء انتهى، وقال ابن جرير هذا اختيار منه صلى الله عليه وسلم للوتر من أيام الشهر على الشفع لفضل ‏[‏ص 181‏]‏ الوتر عليه والله وتر يحب الوتر قال وإنما خص أمره بحالة انتقاص الهلال من تناهي تمامه لأن ثوران كل ثائر وتحرك كل علة إنما يكون فيما يقال من حين الاستهلال إلى الكمال فإذا تناهى نماؤه وتم تمامه سكن فأمر بالاحتجام في الوقت الذي الأغلب فيه السلامة إلا أن يتبيغ الدم وتدعو الضرورة لبعضهم في الوقت المكروه بحيث تكون غلبة السلامة في عدم التأخير فيفعل حينئذ كما يشير إليه قوله ‏(‏لا تتبيغ‏)‏ بتحتية ففوقية فموحدة فتحتية فغين معجمة أي لئلا يتبيغ فحذف حرف الجر مع أن، قال ابن الاعرابي تبوغ الدم وتبوع ثار فالمراد هنا لا يثور ويهيج ‏(‏بكم الدم‏)‏ يغلبكم ويقهركم ‏(‏فيقتلكم‏)‏ أي فيكون ثورانه وهيجانه سبباً لموتكم وهذا من كمال شفقته على أمته ومحصول التقرير السابق أن الحجامة ضرورية واختيارية فالضرورية عند الحاجة والاختيارية عند ثوران الأخلاط وذلك في الربع الثالث من الشهر ‏.‏

قال أهل المعرفة الخطاب بالحجامة لأهل الحجاز ومن في معناهم من الأقطار الحارة لرقة دمائهم وميلها لظاهر البدن بجذب الحرارة لها إلى سطح البدن وقد أوضحه بعض الفضلاء فقال إنما لازم المصطفى صلى الله عليه وسلم الحجم وأمر به دون الفصد مع أن الفصد ركن عظيم في حفظ الصحة الموجودة ورد المفقودة لأن مزاج بلده يقتضيه من حيث إن البلاد الحارة تغير المزاج جداً كبلاد الزنج والحبشة فلذلك يسخن المزاج ويجف ويحرق ظاهر البدن ولهذا اسودت أبدانهم ومال شعرهم إلى الجعودة ودقت أسافل أبدانهم وترهلت وجوههم وخرج مزاج أدمغتهم عن الاعتدال فتظهر أفعال النفس الناطقة فيهم من نحو فرح وطرب وخمد وصفاء صوت والغالب عليهم البلادة لفساد أدمغتهم وفي مقابلها في المزاج بلاد الترك فإنها باردة رطبة تبرد المزاج وترطبه وتجعل ظاهر البدن حاراً لأن الحرارة تميل من ظاهر البدن لباطنه هرباً من ضدها وهو برد الهواء كما في زمن الشتاء فإن الحرارة الغزيزية تميل للباطن لبرد الهواء فيجود الهضم ويقل المرض وفي الصيف بالعكس والغرض من ذلك أن بلاد الحجاز حارة يابسة فالحرارة الغزيزية بالضرورة تميل لظاهر البدن بالمناسبة التي بين مزاجها ومزاج الهواء المحيط بالبدن فيبرد باطنه، فلذلك يدمنون أكل العسل والتمر واللحوم الغليظة فلا تضرهم لبرد أجوافهم وكثرة التحلل فإذا كانت الحرارة مائلة من ظاهر البدن لباطنه لم يحتمل الفصد لأنه إنما يجذب الدم من أعماق العروق وبواطن الأعضاء وإنما تمس الحاجة للحجم لأن الحجامة تجذب الدم من ظاهر البدن فقط فافهم هذه الدقيقة التي أشرف عليها الشارع بنور النبوة ولا تقس عليه ما لا يناسبه من الأحوال‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏وأبو نعيم في‏)‏ كتاب ‏(‏الطب‏)‏ النبوي وكذا الطبراني والديلمي كلهم ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس وقال العراقي بسند حسن موقوفاً ورفعه الترمذي بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه إلى آخره بدون ذكر التبيغ وقال حسن غريب قال وطريق البزار المتقدمة أحسن من هذه‏.‏

231 - ‏(‏احترسوا من الناس‏)‏ أي من شرارهم ‏(‏بسوء الظن‏)‏ أي تحفظوا منهم تحفظ من أساء الظن بهم كذا قاله مطرف التابعي الكبير وقيل أراد لا تثقوا بكل أحد فإنه أسلم لكم ويدل عليه خبر ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته وقال معاوية لعبيد بن شبرمة وقد أتت عليه مائتا سنة ما شاهدت‏؟‏ قال أدركت الناس وهم يقولون ذهب الناس وقيل ما بقي من الناس إلا كلب نابح أو حمار رامح فاحذروهما وقال بعضهم لو أن الدنيا ملئت سباعاً وحيات ما خفتها فلو بقي إنسان واحد لخفته، ومن أمثالهم رب زائر يراوحك ويغاديك وهو ممن يكادحك ويعاديك، وما أحسن قول الصولي‏:‏

لو قيل لي خذ أماناً * من أعظم الحدثان

لما أخذت أماناً * إلا من الخلان

ولا يعارض هذا خبر إياكم وسوء الظن لأنه فيمن تحقق حسن سريرته وأمانته والأول فيمن ظهر منه الخداع والمكر وخلف الوعد والخيانة والقرينة تغلب أحد الطرفين فمن ظهرت عليه قرينة سوء يستعمل معه سوء الظن ‏[‏ص 182‏]‏ وخلافه خلافه، وفي أشعاره تحذير من التغفل وإشارة إلى استعمال الفطنة فإن كل إنسان لا بد له من عدو بل أعداء يأخذ حذره منهم، قال بعض العارفين هذه حالة كل موجود لا بد له من عدو وصديق بل هذه حالة سارية في الحق والخلق قال الله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏}‏ فهم عبيده وهم أعداؤه فكيف حال العبيد بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتباغض والتحاسد والتحاقد‏؟‏‏.‏

- ‏(‏طس عد‏)‏ وكذا العسكري في الأمثال كلهم ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الهيتمي تفرد به بقية بن الوليد وهو مدلس وبقية رجاله ثقات انتهى‏.‏ وقال المؤلف في الكبير حسن وهو ممنوع فقد قال ابن حجر في الفتح خرجه الطبراني في الأوسط من طريق أنس وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف فله علتان التابعي وصح منه قول مطرف أخرجه مسدد‏.‏

232 - ‏(‏احتكار الطعام‏)‏ أي احتباسه لانتظار الغلاء به قال الزمخشري احتكر الطعام احتبسه وفلان حرفته الحكرة وهي الاحتكار انتهى وليس عموم الطعام مراداً بل المراد اشتراء ما يقتات وحبسه ليقل فيغلو ‏(‏في الحرم‏)‏ المكي حسبما يفسره الخبر الآتي بعده ‏(‏إلحاد فيه‏)‏ يعني احتكار القوت حرام في سائر البلاد وبمكة أشد تحريماً، والإلحاد الميل عن الاستقامة والانحراف عن الحق إلى الباطل ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها ولم يمله عن دين إلى دين ذكره الزمخشري قال الله تعالى ‏{‏ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم‏}‏ أي ومن يهم فيه بمحرم عذب عليه لعظم حرمة المكان وإنما سماه ظلماً لأن الحرم واد غير ذي زرع فالواجب على الناس جلب الأقوات إليه للتوسعة على أهله فمن ضيق عليهم بالاحتكار فقد ظلم ووضع الشيء في غير محله فاستحق الوعيد الشديد‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الحج من حديث جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة عن موسى بن باذان ‏(‏عن يعلى‏)‏ بفتح المثناة تحت واللام بينهما مهملة ساكنة ‏(‏ابن أمية‏)‏ بضم الهمزة عن أبيه التميمي الحنظلي أسلم يوم الفتح وشهد حنيناً والطائف وشهد الجمل مع عائشة ثم تحول إلى علي وقتل معه بصفين، قال ابن القطان حديث لا يصح لأن موسى وعمارة وجعفراً كل منهم لا يعرف فهم ثلاثة مجهولون وفي الميزان جعفر مجهول وعمه لين ومن مناكيره وساق هذا الحديث ثم قال لهذا حديث واهي الإسناد‏.‏

232 - ‏(‏احتكار الطعام بمكة إلحاد‏)‏ أراد بمكة هي وما حولها من الحرم فلا ينافي ما قبله‏.‏

- ‏(‏طس عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الهيتمي فيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جمع انتهى ولم يرمز له بشيء ومن زعم أنه رمز لحسنه لم يصب فقد حررته من خطه وظاهر صنيعه حيث لم يعزه إلا للطبراني أنه لم يعرف لغيره ممن هو أعلى والأمر بخلافه فقد أخرجه الإمام البخاري في التاريخ الكبير عن يعلي بن أمية أنه سمع عمر يقول احتكار الطعام بمكة إلحاد انتهى وكان المصنف إنما عدل عنه لكونه فهم أن البخاري أشار إلى وقفه وأنت تعلم أن هذا مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع وأخرجه البيهقي في الشعب مصرحاً برفعه فروى عن عطاء أن ابن عمر طلب رجلاً فقالوا ذهب ليشتري طعاماً فقال للبيت أو للبيع فقالوا للبيع قال أخبروه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره‏.‏

234 - ‏(‏احثوا‏)‏ بضم الهمزة وسكون الحاء وضم المثلثة ارموا ‏(‏التراب في وجوه المداحين‏)‏ عبر بصيغة المبالغة إشارة إلى أن الكلام فيمن تكرر منه المدح حتى اتخذه صناعة وبضاعة يتأكل بها الناس وجازف في الأوصاف وأكثر الكذب يريد لا تعطوهم على المدح شيئاً، فالحثي كناية عن الحرمان والرد والتخجيل قال الزمخشري‏:‏ من المجاز حثى في وجهه الرماد إذا أخجله أو المراد قولوا لهم بأفواهكم التراب والعرب تستعمل ذلك لمن يكرهونه أو المراد أعطوهم ‏[‏ص 183‏]‏ ما طلبوا لأن كل ما فوق التراب تراب فشبه الإعطاء بالحثي على سبيل الترشيح والمبالغة في التقليل والاستهانة وبهذا جزم البيضاوي وقيل هو على ظاهره فيرمى في وجوههم التراب وجرى عليه ابن العربي قال‏:‏ وصورته أن تأخذ كفاً من تراب وترمي به بين يديه وتقول ما عسى أن يكون مقدار من خلق من هذا ومن أنا وما قدري توبخ بذلك نفسك ونفسه وتعرف المادح قدرك وقدره هكذا فليحث التراب في وجوههم قال‏:‏ وقد كان بعض مشايخنا إذا رأى شخصاً راكباً ذا شارة يعظمه الناس وينظرون إليه يقول لهم وله إنه تراب راكب على تراب وينشد‏:‏

حتى متى وإلى متى تتوانى * أتظنّ ذلك يا فتى نسياناً

قال النووي‏:‏ ومدح الإنسان يكون في غيبته وفي وجهه فالأول لا يمنع إلا إذا جازف المادح ودخل في الكذب فيحرم للكذب لا لكونه مدحاً ويستحب ما لا كذب فيه إن ترتب عليه مصلحة ولم يجرّ إلى مفسدة والثاني قد جاءت أخبار تقتضي إباحته وأخبار تقتضي منعه كهذا الخبر وجمع بأنه إن كان عند الممدوح كمال إيمان وحسن يقين ورياضة بحيث لا يفتن ولا يغتر ولا تلعب به نفسه فلا يحرم ولا يكره وإن خيف عليه شيء من ذلك كره مدحه‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ واستغربه ‏(‏عن أبي هريرة عد حل عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب لم يرمز له المصنف بشيء‏.‏

235 - ‏(‏احثوا في أفواه المداحين التراب‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد دفعه عنه وقطع لسانه عن عرضه بما يرضيه من الرضخ والدافع قد يدفع خصمه بحثي التراب على وجهه استهانة به‏.‏ قال الشافعية‏:‏ ويحرم مجاوزة الحد في الإطراء في المدح إذا لم يكن حمله على المبالغة وتردّ به الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنيعة قال ابن عبد السلام في قواعده ولا تكاد تجد مداحاً إلا رذلاً ولا هجاء إلا نذلاً انتهى بل ربما تجاوز الحد حتى وقع في الكفر كقول ابن هاني الأندلسي شاعر المعز العبدي مخاطبا له‏:‏

ما شئت لا ما شاءت الأقدار * فاحكم فأنت الواحد القهار

‏(‏عن المقداد‏)‏ بكسر الميم وسكون القاف ومهملتين ‏(‏ابن عمرو‏)‏ بن ثعلبة الكندي بكسر الكاف ثم الزهري بضم الزاي حالف أبوه كنده وتبناه الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه صحابي مشهور من السابقين الأولين وهو الكندي لأن الأسود تزوّج بأمه أو تبناه وقيل غير ذلك قال الذهبي وكان سادساً في الإسلام مات سنة ثلاث وثلاثين‏.‏

- ‏(‏حب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن عبادة بن الصامت‏)‏ لم يرمز له بشيء وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وإلا لما ضرب عنه صفحاً وعزاه لغيره لما هو متعارف بين القوم أنه ليس لمحدث أن يغزو حديثاً في أحدهما ما يفيده لغيرهما وهو ذهول عجيب فقد عزاه الحافظ العراقي إلى الديلمي ثم إلى مسلم وأبي داود وأحمد من حديث المقداد وأعجب من ذلك أنه هو نفسه عزاه في الدرر إلى مسلم‏.‏

236 - ‏(‏أحد‏)‏ بفتح الهمزة وكسر المهملة مشدّدة بصيغة الأمر ‏(‏يا سعد‏)‏ بن أبي وقاص أي أشر بأصبع واحدة وهي المسبحة فإن الذي تدعوه واحد قال الزمخشري أراد وحد فقلبت الواو همزة كما قيل أحد وإحدى وآحاد فقد تقلب بهذا القلب مضمومة ومكسورة ومفتوحة انتهى، وأصل هذا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر على سعد أحد العشرة وهو يدعو بأصبعين فذكره ويوافقه ما أخرجه مسلم من حديث عمارة أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على هذا يشير بالسبابة وحكى الطبراني عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره فقال السنة للداعي أن يشير فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيته هكذا ساقه الحافظ ابن حجر وما ذكره من أن ذلك إنما ورد في الخطبة بفرض تسليمة إنما يأتي في خبر ‏[‏ص 184‏]‏ مسلم وأما خبر سعد هذا فسياقه كما ترى كالناطق بأنه لم يكن فيها إذ لم يحفظ أن أحداً من الصحابة كان يخطب في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم بحضرته فالأولى أن يجاب بأن الأمر بالإشارة بإصبع واحدة في الدعاء ليس فيه ما يقتضي منع رفع اليدين فيه فيرفعهما ويشير في أثنائه أو أنه تارة يشير وتارة يرفع‏.‏

- ‏(‏حم عن أنس‏)‏ قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على سعد وهو يدعو بأصبعين فذكره قال الهيتمي لم يسم تابعيه وبقية رجاله رجال الصحيح وزاد أحد أحد‏.‏

237 - ‏(‏أحد أحد‏)‏ يا سعد كرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهراً يديه يدعو على منبره ولا غيره‏:‏ كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات ولأن هذا إخلاص أيضاً لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو أنه لبيان الجواز على أن هذا الحديث قد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما رواه أبو داود عن ابن عباس مرفوعاً المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعاً وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد ولا دليل عليه‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الدعوات ‏(‏ن‏)‏ في الصلاة ‏(‏ك‏)‏ في الدعوات وصححه ‏(‏عن سعد‏)‏ بن أبي وقاص قال مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة ‏(‏ت ن ك عن أبي هريرة‏)‏ أن رجلاً كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحد، قال ت حسن غريب وصححه ك وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ولم يرمز المصنف له بشيء‏.‏

238 - ‏(‏أحد‏)‏ بضمتين ‏(‏جبل‏)‏ وفي رواية البخاري جبيل بالتصغيير وهو على ثلاثة أميال من المدينة في شامتها كما حرره الشريف السمهودي بالذرع وبه رد قول النووي على نحو ميلين وقول المطرزي على نحو أربعة سمي به لتوحده وانقطاعه عن أجبل هناك أو لأن أهله نصروا التوحيد ‏(‏يحبنا ونحبه‏)‏ أي نأنس به وترتاح نفوسنا لرؤيته وهو سد بيننا وبين مايؤذينا فمحبة الحي للجماد إعجابه به وسكون النفس إليه والارتياح لرؤيته ومحبة الجماد وهو الجبل هنا للحي مجاز عن كونه نافعاً ساداً بينه وبين ما يؤذيه أو المراد أهله الذين هم أهل المدينة على حد ‏{‏واسأل القرية‏}‏ والأصوب أن المراد الحقيقة ولا تنكر محبة الجماد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما حنّ إليه الجذع وسبح الحصى في يده وسلم الحجر والشجر عليه وكلمه الذراع وأمنت حوائط البيت على دعائه فهو إشارة إلى حب الله إياه صلى الله عليه وسلم حتى أسكن حبه في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وفظاظته وكمال قوة صلابته‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في المغازي ‏(‏عن سهل بن سعد‏)‏ الساعدي ‏(‏ت عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏حم طب والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن سويد‏)‏ بضم المهملة وفتح الواو ومثناة تحت ‏(‏ابن عامر‏)‏ بن زيد بن خارجة ‏(‏الأنصاري‏)‏ وفي أسد الغابة عن ابن منده أنه لا يعرف له صحبة انتهى ‏(‏وما له غيره‏)‏ أي ليس لسويد غير هذا الحديث وهذا تبع فيه بعضهم وليس بصواب فقد ذكر ابن الأثير له حديث بلوا أرحامكم ولو بالسلام فكان حقه أن يقول ولا أعرف له غيره ‏(‏أبو القاسم بن بشر في أماليه عن أبي هريرة‏)‏ وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرّد به البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه مسلم في الحج عن أنس بهذا اللفظ وبه يعرف أن استقصاءه لمخرجيه لا اتجاه له لأن ذلك إنما يحتاج إليه في حديث يراد تقويته لوهنه وما اتفق عليه الشيخان في غاية الصحة والاتقان وليس استيعاب المخرجين من دأبه في هذا الكتاب فإنه يفعله كثيراً ويتركه أكثر حتى في الأحاديث المحتاجة للتقوية والاعتضاد نعم لك أن تقول حاول بذلك إدخاله في حيز المتواتر‏.‏

239 - ‏(‏أحد‏)‏ بضم أوله وثانيه اسم مرتجل لهذا الجبل قال ياقوت مشتق من الأحدية وحركات حروفه الرفع ‏[‏ص 185‏]‏ وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد إشارة إلى الوحدة التي فيه قال في التنقيح هذا أولى ما قيل فيه وقيل أراد الثناء على الأنصار الذين هم سكان المدينة الذي الجبل منها وقيل على الحقيقة لأن الجماد يعقل عند الاعجاز وهذا هو الذي عليه التعويل كما تقرر وقال بعضهم كانت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله إشعاراً للأحدية فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في الأسماء وقد بدل كثير من أسماء البقاع والناس استقباحاً لها ‏(‏جبل يحبنا ونحبه‏)‏ لأن جزاء من يحب أن يحب وسيجيء في خبر المرء مع من أحب وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب اسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية ‏(‏فإذا جئتموه‏)‏ أي حللتم به أو مررتم عليه ‏(‏فكلوا‏)‏ ندباً بقصد التبرك ‏(‏من شجره‏)‏ الذي لا يضر أكله ‏(‏ولو من عضاهه‏)‏ بكسر المهملة ككتاب جمع عضة وقيل عضاهة وهي كل شجرة عظيمة ذات شوك وهذا وارد مورد الحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا ما يؤكل كالعضاة يمضغ منه للتبرك ولو بلا ابتلاع ثم هذا يخبرك بضعف قول من زعم أن قوله يحبنا ونحبه مجاز عبر عنه بلسان الحال لأنه كان يبشره إذا رآه عند قدومه بالقرب من أهله وذلك فعل المحب فنزل منزلته‏.‏

- ‏(‏طس عن أنس‏)‏ رضي الله تعالى عنه قال الهيتمي فيه كثير بن زيد وثقه أحمد وفيه كلام انتهى‏.‏

240 - ‏(‏أحد ركن من أركان الجنة‏)‏ أي جانب عظيم من جوانبها أي أصله منها وسيعود إليها ويصير ركناً من أركانها أو أنه وإن كان يتصل إليها في الآخرة إكراماً له بمحبته لمن يحبه الله فيكون مع من أحبه كما مر قال السهيلي وقد سمى الله هذا الجبل بهذا الاسم مقدمة لما أراده لمشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في الأسماء فتعلق الحب من المصطفى به اسماً ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بساً، وأركان الشيء جوانبه التي تقوم بها ماهيته‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ولعله أراد بالجبل أرض المدينة كلها وخص الجبل لأنه أول ما يبدو من أعلاها‏.‏

- ‏(‏طب عن سهل بن سعد‏)‏ قال الهيتمي فيه عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني ضعيف وقال أبو حاتم منكر الحديث جداً وقال النسائي متروك الحديث وقال الجوزجاني واه ثم أورد له مناكير هذا منها وبالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه‏.‏

241 - ‏(‏أحد هذا جبل يحبنا ونحبه‏)‏ بالمعنى المار ‏(‏على باب من أبواب الجنة‏)‏ أي من داخلها كما أفصح به في الروض الأنف فلا يناقضه قوله فيما مر قبله ركن من أركانها لأنه ركن يجانب الباب ذكره بعض الأعاظم ‏(‏وهذا عير‏)‏ بفتح العين وسكون التحتية وراء مهملة مرادف الحمار ويقال عاير جبل مشهور في قبلي المدينة بقرب ذي الحليفة وفوقه جبل آخر يسمى باسمه ويميز الأول بالوارد والثاني بالصادر وقال أبو عبيدة هو تلقاء غرب وأنشد جعفر بن الزبير‏:‏

يا ليت إني في سواء عير * فلا أرى ولا أرى إلا الطير

قال السمهودي وشهرة عير غير خافية قديماً فقول مصعب بن الزبير ليس بالمدينة جبل يسمى عير غير صواب وقال المجد قال نصر عير جبل بالمدينة يقال له المثنية كمعرفة ‏(‏يبغضنا ونبغضه‏)‏ بالمعنى المار ‏(‏وإنه على باب من أبواب النار‏)‏ نار جهنم أشار إليه ليدفع توهم إرادة غيره مما يشاركه هناك لعدم شهرته قال السمهودي لما انقسم أهل المدينة ‏[‏ص 186‏]‏ إلى مجب وموحد وهم المؤمنون وإلى منافق مبغض وهم المجاملون الجاحدون كأبي عامر الراهب وغيره من المنافقين وكانوا ثلث الناس يوم أحد رجعوا مع ابن أبي ابن سلول فلم يحضروا أحداً انقسمت بقاع المدينة كذلك فجعل الله أحداً حبيباً محبوباً كمن حضر به وجعله معهم في الجنة وخصه بهذا الاسم المشتق من الأحدية المشعر بارتفاع دين الأحد وجعل عيراً مبغوضاً وجعل لجهته المنافقين من أهل مسجد الضرار فرجعوا من جهة أحد إلى جهة عير فكان معهم في النار وخصهم باسم العير الذي هو اسم الحمار المذموم أخلاقاً وجهلاً لها ولم يبدله ولذلك تعلق حبه له اسماً ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن أبي عبس‏)‏ بفتح المهملة وسكون الموحدة عبد الرحمن بن جبر ضد كسر الأنصاري الأشهلي قيل اسمه عبد الله من كبار الصحب شهد بدراً وما بعدها قال الهيتمي فيه عبد المجيد ابن أبي عبس لينه أبو حاتم وفيه أيضاً من لم أعرفه انتهى وهو مأخوذ من الميزان أورد له هذا الخبر‏.‏

242 - ‏(‏أحد أبوي بلقيس‏)‏ بكسر أوله ملكة سبأ التي قص الله سبحانه وتعالى قصتها مع سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة النمل ‏(‏كان جنياً‏)‏ قال قتادة ولهذا كان مؤخر قدميها كحافر الدابة وجاء في آثار أن الجني الأم وذلك أن أباها ملك اليمن خرج ليصيد فعطش فرفع له خباء فيه شيخ فاستسقاه فقال يا حسنة اسقي عمك فخرجت كأنها شمس بيدها كأس من ياقوت فخطبها من أبيها فذكر أنه جني وزوجها منه بشرط أنه إن سألها عن شيء عملته فهو طلاقها فأتت منه بولد ذكر ولم يذكر قبل ذلك فذبحته فكرب لذلك وخاف أن يسألها فتبين منه ثم أتت ببلقيس فأظهرت البشر فاغتم فلم يملك أن سألها فقالت هذا جزائي منك باشرت قتل ولدي من أجلك وذلك أن أبي يسترق السمع فسمع الملائكة تقول إن الولد إذا بلغ الحلم ذبحك ثم استرق السمع في هذه فسمعهم يعظمون شأنها ويصفون ملكها وهذا فراق بيني وبينك فلم يرها بعد، هذا محصول ما رواه ابن عساكر عن يحيى الغساني قال الماوردي وهذا مستنكر للعقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين إذ الآدمي جسماني والجني روحاني وهذا من صلصال كالفخار وذاك من مارج من نار والامتزاج مع هذا التباين مدفوع والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع ورده القرطبي بوجوه اقناعية من تاريخ دمشق وفي حل نكاح الإنس للجن خلاف ففي الفتاوى السراجية للحنفية لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء لاختلاف الجنس وفي فتاوى البارزي من الشافعية لا يجوز التناكح بينهما ورجح ابن العماد جوازه‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ ابن حبان ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏العظمة وابن مردويه في التفسير وابن عساكر‏)‏ في ترجمتهما ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفيه سعيد بن بشر، قال في الميزان عن ابن معين ضعيف وعن ابن مسهر لم يكن ببلدنا أحفظ منه وهو ضعيف منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر، وبشير بن نهيك أورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به ووثقه النسائي‏.‏

243 - ‏(‏احذروا فراسة المؤمن‏)‏ الكامل الإيمان كما أشار إليه بعض الأعيان ‏(‏فإنه ينظر بنور الله‏)‏ الذي شرح به صدره ‏(‏وينطق‏)‏ فيتكلم ‏(‏بتوفيق الله‏)‏ إذ النور إذا دخل القلب استنار وانفسح وأفاض على اللسان وظهرت آثاره على الأركان ‏{‏إن في ذلك لآيات للمتوسمين‏}‏ قال في الكشاف ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة النظار بنور الله سبحانه وتعالى مخايل كل مختص بصناعة أو فن من العلم في منطقه وشمائله والنطق الكلام‏.‏

- ‏(‏ابن جرير‏)‏ الطبري ‏(‏عن ثوبان‏)‏ بضم المثلثة السري مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وقضية صنيعه أن هذا لم يره مخرجاً لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن أبا نعيم والطبراني خرجاه ولعله ظهر له أن سند ابن جرير أمتن فإن فرض أنه كذلك فكان ينبغي عزوه للكل وقد ‏[‏ص 187‏]‏ رواه العسكري وغيره أيضاً عن ثوبان بزيادة احذروا دعوة المؤمن وفراسته‏.‏

244 - ‏(‏احذروا زلة العالم‏)‏ أي احذروا الاقتداء به فيها ومتابعته عليها كلبه الإبريسم وركوبه مراكب العجم وأخذه ما فيه شبهة من مال السلطان وغيره ودخوله عليه والتردد إليه ومساعدته إياه بترك الإنكار وتمزيقه الأعراض وتعديه باللسان في المناظرة واستخفافه بالناس وترفعه عليهم واشتغاله بالعلوم بما لا يقصد منه إلا الجاه وكتساهله في الإفتاء وفي الإجازة به وكتقصيره في بذل الجهد في الاجتهاد وإعطائه النظر حقه فيما يسأل عنه وتسارعه إلى الجواب من رأس القلم أو اللسان وإجماله في محل التفصيل والبيان فهذه ذنوب يتبع العالم فيها العالم فيموت العالم ويبقى شره مستطيراً في العالم ومن ثم قال ‏(‏فإن زلته تكبكبه‏)‏ بضم المثناة فوق وفتح الكاف وسكون الموحدة ‏(‏في النار‏)‏ أي تقلبه على رأسه وترديه لوجهه فيها لما يترتب على زلته من المفاسد التي لا تحصى لاقتداء الخلق به ولهذا قال بعض الصوفية إذا زل عالم زل بزلته عالم قال الزمخشري والكبكبة تكرير الكب وجعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى ومن ألقى في النار انكب مرة بعد أخرى حتى يستقر بمستقرها فلما قلب الخلق عن الهدى بزلته قلبه الله تعالى في النار جزاء وفاقاً وعصيان العالم إنما هو من رين القلب وظلمة الذنب ولو كسف له غطاء قلبه ورأى ما منح عز عليه أن يدنس خلعة الله التي خلعها عليه كما عز عليه أن يدنس خلع الملوك في الدنيا فلو أن ملكاً شرفه بخلعه من خز لصانها فكيف بخلعة رب العالمين على ذلك المسكين من عامة المسلمين ‏.‏

قال الغزالي كان بلعم بن باعوراء من العلماء وكان بحيث إذا نظر رأى العرش وهو المعني بقوله تعالى ‏{‏واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها‏}‏ ولم يقل آية واحدة ولم يكن له إلا زلة واحدة مال إلى الدنيا وأهلها ميلة واحدة وترك لنبي من الأنبياء حرمة واحدة فسلبه معرفته وجعله بمنزلة الكلب المطرود فقال ‏{‏فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه‏}‏ الآية فإن قلت كيف تدخل العالم زلته النار مع أنه مأجور على اجتهاده وإن أخطأ ولهذا قال ابن المبارك رب رجل حسن وآثاره صالحة كانت له هفوة وزلة فلا يقتدى به فيهما قلت الزلة والغلط تارة تقع عن تقصير في الاجتهاد وفاعل ذلك غير مأجور بل مأزور وتارة تقع عن اجتهاد تام لكن وقع فيه الغلط في استحلال محرم أو تحريم حلال أو ترك واجب بتأويل وهو نفس الأمر خطأ فهذا يؤجر على اجتهاده ولا يعاقب على زلته‏.‏

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ لم يرمز المصنف له بشيء وهو ضعيف لأن فيه محمد بن ثابت البناني قال الذهبي ضعفه غير واحد ومحمد بن عجلان أورده في الضعفاء وقال صدوق ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم سيء الحفظ عن أبيه عجلان وهو مجهول‏.‏

245 - ‏(‏احذروا الدنيا‏)‏ أي تيقظوا واستعملوا الحزم في التحرز من دار الغرور بالإنابة إلى دار الخلود والاقلاع عنها قبل سكن اللحود ‏(‏فإنها أسحر من هاروت ماروت‏)‏ لأنها تكتم فتنتها وهما يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر والاخلاد إليها أصل كل شر ومنه يتشعب جميع ما يؤدي إلى سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة وقد قال علي كرم الله وجهه الدنيا تضر وتغر وتمر وقيل لحكيم كيف ترى الدنيا قال تحل يوماً في دار عطار ويوماً في دار بيطار وطوراً في يد أمير وزمناً في يد حقير وقال في الكشاف الحذر التيقظ والحاذر الذي يجدد حذره ‏.‏

قال بعض الشافعية يستثنى من جزم الأئمة بقبول التوبة أربعة لا تقبل توبتهم إبليس وهاروت وماروت وعاقر ناقة صالح‏.‏ قال بعضهم‏:‏ ولعل المراد أنهم لا يتوبون انتهى واعترض بأن ما ذكره في إبليس غير صواب بل هو على ظاهره وما ذكره في هاروت وماروت غير صحيح لأن قصتهم قد دلت على أنهم يعذبون في الدنيا فقط وأنهم في الآخرة يكونون مع الملائكة بعد ‏[‏ص 188‏]‏ ردهم إلى صفاتهم‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا هب عن أبي الدرداء‏)‏ لم يرمز له بشيء وهو ضعيف لأن فيه هشام بن كمال قال الذهبي قال أبو حاتم صدوق وقد تغير وكان كلما لقن يتلقن وقال أبو داود وحدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها‏.‏

246 - ‏(‏احذروا الدنيا‏)‏ أي الاسترسال في شهواتها والانكباب على ملاذها واقتصروا منها على الكفاف ‏(‏فإنها خضرة‏)‏ بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي حسنة المنظر مزينة في العيون آخذة بمجامع القلوب ‏(‏حلوة‏)‏ بالضم أي حلوة المذاق صعبة الفراق قال في المطامح فيه استعارة مجازية ومعجزة نبوية فخضرتها عبارة عن زهرتها وحسنها، وحلاوتها كناية عن كونها محببة للنفوس مزينة للناظرين وهو إخبار عن غيب واقع، فإن قلت إخباره عنها بخضرتها وحلاوتها يناقضه إخباره في عدة أخبار بقذارتها وأن الله جعل البول والغائط مثلاً لها‏؟‏ قلت لا منافاة فإنها جيفة قذرة في مرأى البصائر وحلوة خضرة في مرأى الأبصار فذكر ثم أنها جيفة قذرة للتنفير وهنا كونها حلوة خضرة للتحذير فكأنه قال لا تغرنكم بحلاوتها وخضرتها فإن حلاوتها في الحقيقة مرارة وخضرتها يبس‏.‏ فللّه در كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ما أبدعه‏.‏

- ‏(‏حم في‏)‏ كتاب ‏(‏الزهد عن مصعب‏)‏ بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح العين المهملة وبموحدة ‏(‏ابن سعد مرسلاً‏)‏ وهو ابن أبي وقاص أبو زرارة بضم الزاي وفتح الراء الخفيفة الأولى المدني ثقة نزل الكوفة لم يرمز له المصنف بشيء‏.‏

247 - ‏(‏احذروا الشهوة‏)‏ هي كما قال الحراني نزوع النفس إلى محسوس محبوب لا يتمالك عنه وفي المصباح هي اشتياق النفس إلى الشيء ‏(‏الخفية‏)‏ قالوا يا رسول الله وما الشهوة الخفية قال ‏(‏العالم يحب أن يجلس‏)‏ بالبناء للمفعول أي يجلس الناس ‏(‏إليه‏)‏ فإن ذلك يبطل عمله لتفويته الاخلاص وتصحيح النية فليس الشأن حفظ العلم بل في صونه عما يفسده كالرياء والعجب والتعاظم بإظهار علمه، وذلك سم وخيم وسهم من سهام الشيطان الرجيم، أخرج العلائي في أماليه عن علي كرم الله وجهه سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم وسرهم علنهم يجلسون حلقاً حلقاً يباهي بعضهم بعضاً حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس لغيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله تعالى وقال كعب الأحبار سيكون في آخر الزمان علماء يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أو أخذ عنه أولئك الجبارون أعداء الرحمن وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن عيينة أن ربيعة بكى فقيل ما يبكيك قال رياء حاضر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كغلمان في حجور أمهاتهم إن أمروهم ائتمروا وإن نهوهم انتهوا‏.‏ قال الغزالي هذا هو الانتكاس على أمّ الرأس وفاعله الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكساً رأسه عند ربه انظر كيف انتهى أمر الذين يزعمون التقرب إلى الله تعالى بالعلم يبذلون المال والجاه ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات ويتوقع المعلم في نفس المتعلم أن ينقطع إليه ويقتصر عليه ويقوم معه في كل نائبة وينصر وليه ويعادي عدوه وينهض حماراً له في حاجاته مسخراً بين يديه في أوطاره ومهماته فإن قصر غضب عليه وعاداه فاخسئ بعالم يرضى لنفسه بهذه المرتبة ثم يفرح بها ثم لا يستحي أن يقول غرضي من التدريس نشر العلم تقرباً إلى الله تعالى انتهى‏.‏ فهذا حال زمن الغزالي فلو رأى زماننا هذا قال البيهقي فعلى هذا ينبغي للعالم أن يكون فعله لوجه الله تعالى لا يريد أن يزداد من الناس جاهاً أو على أقرانه استعلاء أو لأضداده أقماء وأن لا يريد أن يكثر الآخذون عنه وإذا حضروا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره وأن لا يكون علمه أظهر في الناس من علم غيره بل يقصد أداء الأمانة بنشر ما عنده وإحياء معالم الذين وصونها عن الدروس ‏(‏تتمة‏)‏ قال في الحكيم‏:‏ ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ ولم يرمز له بشيء قال ‏[‏ص 189‏]‏ ابن حجر وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي متروك‏.‏

248 - ‏(‏احذروا الشهرتين‏)‏ تثنية شهرة وهي كما في القاموس ظهور الشيء في سمعة حتى يشتهر للناس والمراد هنا اشتهار الإنسان بلبس ‏(‏الصوف‏)‏ بضم أوله ‏(‏والخز‏)‏ بفتح المعجمة الحرير أو نوع منه أي احذروا لبس ما يؤدي إلى الشهرة في الطرفين أي طرفي التخشن وهو الصوف والتحسن وهو الحرير فإنه مذموم مكروه والمراد ما فيه حرير أما الحرير المحض أو ما أكثره حرير فحرام على الرجل وهو أمر بالتباعد عن طلب الشهرة في اللباس وقد أمر الشارع بالتوسط بين التفريط والإفراط حتى في العبادة وفيه رد على من تحرى من الصوفية لبس الصوف دائماً ومنع نفسه من غيره وألزمها زياً واحداً وعمد إلى رسوم وأوضاع وهيئات ويرى الخروج عنها منكراً وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يلبس ما وجد فلبس الكتان والصوف والقطن وما الهدي إلا هديه وما الأفضل إلا ما سنه وهو لبس ما تيسر من الوسط المعتدل صوفاً تارة وقطناً طورا وكتاناً أخرى ولبس البرود اليمانية والأحمر والجبة المكفوفة بالديباج والقباء والقميص والإزار والرداء والشعر الأسود وأرخى العذبة تارة وتركها أخرى وتقنع تارة وتركه أخرى ولبس عمامة بيضاء تارة وسوداء أخرى وتحنك مرة وتركه إلى غير ذلك مما هو مشهور مسطور وبهذا علم أنه لا تعارض بين هذا الخبر وبين الخبر الآتي عليكم بلباس الصوف إلى آخره لأن ما هنا في ملازمة زي واحد وذاك في لبس الصوف أحياناُ أو يقال التحذير عن لبسه للشهرة والإذن في لبسه بقصد إذلال النفس وقهرها‏.‏

- ‏(‏أبو عبد الرحمن‏)‏ محمد بن الحسين ‏(‏السلمي‏)‏ الصوفي ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏سنن الصوفية‏)‏ نقل الذهبي وغيره عن الخطيب عن القطان أنه كان يضع للصوفية وفي اللسان كأصله أنه ليس بعمدة ونسبه البيهقي للوهم ‏(‏فر‏)‏ من حديث السلمي هذا ‏(‏عن عائشة‏)‏ رضي الله عنها قال في الأصل وضعفه وفيه أحمد بن الحسين الصفار كذبوه‏.‏

249 - ‏(‏احذروا صفر‏)‏ بضم فسكون ‏(‏الوجوه‏)‏ أي الأناسي المصفرة وجوههم أي احذروا مخالطتهم واجتنبوا عشرتهم ‏(‏فإنه‏)‏ أي ما بهم من الصفرة ‏(‏إن لم يكن‏)‏ ناشئاً ‏(‏من علة‏)‏ أي مرض قال في المصباح‏:‏ العلة المرض الشاغل ‏(‏أو سهر فإنه‏)‏ يكون ‏(‏من غل‏)‏ بكسر المعجمة غش وحقد ‏(‏في قلوبهم‏)‏ زاده إيضاحاً إذ الغل ليس إلا في القلب ‏(‏للمسلمين‏)‏ لأن ما أخفت الصدور يظهر على صفحات الوجوه وذلك مدرك بنور الفراسة الإيمانية ويظهر أن المراد به قوم مخصوصون من أهل زمنه من أهل النفاق أو اليهود لا مطلقاً لقولهم إن أشرف الألوان الأبيض المشرب بحمرة أو صفرة وأن المشرب بصفرة هو لون أهل الجنة والعرب تتمدح به في الدنيا كما في لامية امرئ القيس وغيرها ‏.‏

قال العارف الخواص أرباب الأحوال يعرفون الصالحين بصفرة الوجوه مع سواد البشرة وسعة العيون وخفض الأصوات وأما الكمل فلا يعرفهم إلا من عرف الله وفي إشعاره تحذير من إضمار السوء للمسلمين خوف الفضيحة والعذاب في العقبى‏.‏

- ‏(‏فر عن ابن عباس‏)‏ وفيه زيد بن حبان ذكر في اللسان عن ابن حبان أنه يخالف في حديثه وأخرجه أيضاً أبو نعيم في الطب بسند واه عن أنس وبه يعرف أن قول ابن حجر لم أقف له على سند إن أراد ثابت جيد فمسلم وإلا فقد علمت وروده‏.‏

250 - ‏(‏احذروا البغي‏)‏ أي احترسوا من فعله ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏ليس من عقوبة هي أحضر‏)‏ أي أسرع وقوعاً ‏(‏من عقوبة ‏[‏ص 190‏]‏ البغي‏)‏ فإنه يعجل جزاؤه في الدنيا سريعاً قال الحراني‏:‏ والبغي السعي بالقول والفعل في إزالة نعم الله تعالى عن خلقه بما اشتملت عليه ضمائر الباغي من الحسد‏.‏

- ‏(‏عد وابن النجار‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه‏.‏

251 - ‏(‏احرثوا‏)‏ بضم الهمزة والراء ازرعوا من حرث الأرض أثارها للزراعة ‏(‏فإن الحرث‏)‏ أي تهيئة الأرض للزراعة وإلقاء البذر فيها ‏(‏مبارك‏)‏ أي كثير الخير نافع للخلق فإن كل عافية تأكل منه وصاحبه مأجور على ذلك مبارك له فيما يصير إليه ‏(‏وأكثروا فيه‏)‏ أي في الزرع إذا نبت ‏(‏من الجماجم‏)‏ بجيمتين جمع جمجمة البذر أو العظام التي تعلق عليه لدفع الطير أو العين ويدل للثاني ما في خبر منقطع عند البيهقي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بالجماجم أن تجعل في الزرع من أجل العين وفيه ندب الاحتراف بالزرع ولا يعارضه الخبر الآتي إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب البقر إلى آخره لأن في زرع معه ترك الجهاد والاشتغال عن وظائف الطاعات وما هنا فيما ليس كذلك وفي السير أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يزرع أرض بني النضير لما صارت إليه ومن كلامهم الفلاحة بالفلاح مصحوبة والبركة على أهلها مصبوبة‏.‏

- ‏(‏د، في مراسيله عن علي بن الحسين‏)‏ زين العابدين قال الزهري ما رأيت قريشاً أفضل منه ‏(‏مرسلاً‏)‏ قال‏:‏ إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة قال‏:‏ يا معشر قريش إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطراً واحرثوا فإن الحرث إلى آخره‏.‏

252 - ‏(‏أحسن الناس قراءة‏)‏ للقرآن القارئ ‏(‏الذي إذا قرأ رأيت‏)‏ أي علمت ‏(‏أنه يخشى الله‏)‏ أي يخافه لأن القراءة حالة تقتضي مطالعة جلال الله وعرفان صفاته ولذلك الحال آثار تنشأ عنها الخشية من وعيد الله وزواجر تذكيره وقوارع تخويفه فمن تلبس بهذا الحال وظهرت عليه هيبة الجلال فهو أحسن الناس قراءة لما دل عليه حاله من عدم غفلة قلبه عن تدبر مواعظ ربه وخشية الله سبب لولوج نور اليقين في القلب والتلذذ بكلام الرب ولم يكن كذلك فالقرآن لا تجاوز حنجرته ‏.‏